العاقل من يلتمس العذر لأخيه ~ مدونة الأخوة

a

عن الموقع

span id="st_finder">

تابعنا عبر البريد

الثلاثاء، 14 يناير 2014

العاقل من يلتمس العذر لأخيه

|


لقد قرر سلفنا الصالح أن خير الإخوان ، وأعقلهم هو الذي يلتمس الأعذار لإخوانه ، فتراه حريصاً على إيجاد العذر المناسب ، الذي ينسجم مع عظمة هذه الأخوة ، ويرتقي في أجوائها ، ويحلق في فضاءاتها الإيمانية ، فلا تجد أخاً مقصراً في قاموسه ، أو أخاً مذنباً في حقه ، أو أخاً معتدياً في كلامه ، أو أخاً متعمدأً في إساءته ، أو قاصداً في تجاوزه .


فتعجب من منهج هذا الأخ العاقل ، وهو ينقب في الأعذار ، كي يختار أفضلها وأحسنها في تبرير ما يراه الآخرون خطأ فادحاً ، وذنباً عظيماً ، لا يمكن تجاوزه ، أو احتماله ، أو غض الطرف عنه . فإن لم يجد ما يعتذر به عن إخوانه اتهم نفسه ، كما أوصى بذلك الإمام الغزالي – رحمه الله – حين قال : " ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك سبعين عذراً ، فإن لم تقبله فرد اللوم على نفسك ، فتقول لقلبك : ما أقساك !! يعتذر إليك أخوك سبعين عذراً فلا تقبله ، فأنت المعيب لا أخوك .. " .
هذا من أجل الحفاظ على رابطة الأخوة ، والارتقاء بها ، وصونها مما قد يذهب صفاءها ، ويعكر ماءها ، ويكدر نقاءها ، ويفسد أجواءها فهو يحيل الإساءات إلى حسنات ، والتجاوزات والسقطات إلى هفوات غير مقصودة ، والتقصير والنسيان والإهمال إلى زيارة ود ومحبة !!
فالالتزام بهذا النهج  ضروري عندما يضيق أفق الناس ، وتتحشرج نفوسهم ، ويصبح ميزانهم دقيقاً، يحاسب على الكبيرة  والصغيرة ، ويزن العظيم والحقير على حد سواء ، ولا يغفل عن شيء ، بل يذكر الإساءة ، ويصر على الظن السيئ ، وغالباً ما يستخدم لحظات الوصل والصفاء في إذكاء لحظات العتاب القاسي والمر الشديد ، الذي قد يقضي على الأخوة الإيمانية ويأتي عليها رويداً رويداً ، دون شعور منا إلا بعد فوات الأوان .
إعذار الأخ لأخيه ، والتجاوز عن سيئاته وهفواته ، وتقصيراته وأخطائه ، يؤكد عمق الرابطة ، ويزيدها عمقاً وتوكيداً ، ومتانة وقوة ، ومن هنا حين سئل أحدهم : من أحب إخوانك إليك ؟ قال : " من سد خللي ، وغفر زللي ، وقبل عللي " .
هذه هي صفات الذين يعذرون ، ويبادرون في إيجاد العذر ، قبل أن يسمعوا ذلك من إخوانهم، بل ليسوا بحاجة لهذا السماع ، حتى يؤكدوا عظمة الأخوة ومكانتها في نفوسهم .
ومن هنا تمثل الإمام الشافعي – رحمه الله – بهذه الأبيات ، معبراً بها عن صدق الأخوة وصفات الأخ الصادق :
أحب من الإخوان كل مواتي            وكل غضيض الطرف عن عـثراتي
يوافقني في كل أمر أريده               ويحفظني حـــــياً وبعد مماتي
فمن لي بهذا ؟ ليت أني أصبته         لقاسمته مالي من الحســــنات
تصفحت إخواني فكان أقلهم         على كثرة الإخوان أهل ثقاتـــي

لهذا أيها الأخ الحبيب ،، اعذر إخوانك ، والتمس لهم العذر تلو العذر ، ولا تمل من كثرة ذلك، وإن كنت لا تقبل العذر ، ولا تبحث عنه ، ولا تغفر الزلة ، فعش وحيداً، وليكن معلوماً لديك أن من عاتب على كل ذنب دام عتبه ، وكثر تعبه :

وإن أنت لم تشرب على القذى مراراً
                                         ضمئت وأي الناس تصفو مشاربه ؟!

فالنهتف جميعاً إخوة الإيمان من أعماق قلوبنا ، مرددين بصدق وإخلاص مع شاعرنا :
تعالوا نطوي الحديث الذي جرى          ولا سمع الواشي بذاك ولا درى
تعالوا بنا حتى نعود إلى الرضى           وحتى كأن العهد لم يتغـــيرا
لقد طال شرح القال والقيل بيننا          وما طال ذاك الشرح إلا ليقصرا
من اليوم تاريخ المحبة بينــنا       عفا الله عن ذاك العتاب الذي جرى

وإن كان أيها الأخ الكريم لا بد من العتاب فليكن بالحسنى ، وبالتي هي أحسن ، ولا ننسى أن خير الإخوان وأعقلهم هو أعذرهم لإخوانه ..


0 التعليقات:

إرسال تعليق

Get The Fixed Menu Gadget
Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
back to top