إن المدقق في تاريخ هذه المنطقة من العالم الإسلامي يلاحظ اهتماماً واضحاً من قبل المؤسسات التنصيرية في شمال أفريقيا خاصة في القرنين التاسع عشر والعشرين ولعل من أهم عوامل التنصير في المنطقة
ـ أهمية شمال أفريقيا الاستراتيجية والإمكانيات الاقتصادية الهائلة التي جعلت منه المنطقة الرئيسة في مجال التسابق الاستعماري الأوربي حين أرتبط التنصير بالاستعمار ذلك أنه منذ بداية القرن التاسع عشر جاء إلى المنطقة عدد كبير من المنصّرين في زي الرحالة وكتبوا تقارير كثيرة عن شعوب المنطقة ومواردها الاقتصادية، ويبدو من دراسة هذه التقارير أنها أشارت إلى أهمية بداية التنصير في المنطقة عن طريق إنشاء بعض الخدمات الصحية في شكل عيادات إلى غير ذالك ..!
ورغم ما شهدته الشعوب الإسلامية في هذه المنطقة من لحظات الإنكسار أمام جحافل الاستعمار إلا أنها عاشت عقودا طويلة وهي تُــرَاغـِــمُ سياسات الدول والإمبراطوريات ورغم قلة الحيلة وتقدم المد النصراني اليهودي الغازي بكل وسائل الغزو الفكري خيلا ورجلا غير أن سلاح الإرادة وقوة الإيمان ظلتا كهف حماية ودرب وقاية يمد بالمقاومة والمُرَاغَمَةِ للعدو الغازي.. حتى ارتد على أعقابه وولى كيده إلى نحره.
وتنفست شعوب المنطقة الصعداء واسترجعت بعد رِســـــْلِ إغفاءة التغريب في عقود الخمسينيات والسبعينيات صحوها وتيقظها وبدأت تمزق ثيابها المستبدلة إبان فقد الأصالة.... تلك الثياب التي ورثتها طرائق قِدَدًا مطرزة بوشي التحديث الذي يخفي التغريب ويزرع بذور التنصير ويلقي بــــــاللادينية في مشاتله رجاء أن تثمر فيحصد في يوم قابل من بذرته حصادا يؤسس لنقض غزل الإسلام تاريخا وحضارة.
ومضت سنوات وعقود كلما نصح واعظ بالتصدي للخطر الداهم تناوشته الألسن والتهم .. وأخيرا تكشفت حقائق النٌذُرِ وبدأنا اليوم نشاهد معالم المشروع القادم للبذرة الخبيثة إنه مشروع يقوم على ثلاث مراحل:
الأولى مرحلة البذر والثانية مرحلة الاختراق والثالثة مرحلة الإشهار وتثبيت الوجود بأقدام راسخة لا تتزحزح ...
لقد تجاوزت موريتانيا مرحلة البذر والاختراق .. ودخلت مرحلة جديدة تماما هي مرحلة تفريخ "الأقلية المسيحية" التي بدأت إرهاصات ظهورها تتضح في شمس الضحى من خلال تهيئة الجو المناسب للمولود الجديد وتَبْيِئَتِه ليُصبح جاهزا لرعاية المولود المحاط بالرعاية منذ عدة عقود.
ذلك ما تكشف عنه بوضوح تصريحات أسقف كنيسة نواكشوط (ارجع لمقابلته مع وكالة الأخبار المستقلة وخطابه بمناسبة السنة الميلادية الجديدة 25-12-2010رابط المقابلة http://alakhbar.info/intrep/interv/3941-2014-05-04-17-57-21.html) المطالبة بالحريات لممارسي ومعتنقي ديانته من أبناء وطننا والمؤكدة لوجود النشاط التبشيري في السر والعلن.. حيث تحدث أسقف نواكشوط عن وجود 4000 مسيحي أجنبي في موريتانيا .. بل إن العديد من الصحف كشفت منذ عدة سنوات عن وجود كنائس غير مرخصة ويقول من يديرونها إنها لجاليات إفريقية مسيحية غير أنه ورغم معقولية الفكرة إلا أنها ليست مقنعة وتشي بوجود غرض آخر لاشك يشكل سندا لإستراتجية البذر والاختراق خصوصا إذا علمنا أن سهولة اكتساب الجنسية في موريتانيا قد تدفع رعاة خطط التنصير لزرع مواطنين مسحيين بين ظهرانينا ليشكلوا رافدا قويا لتعزيز زرع وجود تأسيسي يساند ويعضض المشروع وربما يقود في مراحل لاحقة لحرق مراحله باتجاه التمكين للطائفة المزعومة والتأسيس النهائي لوجود هذه النبتة الخبيثة... والشر المستطير الذي يجري استنباته دون كلل أو ملل ودون ضجر من حماة البيضة وحراس العقيدة والدين الحق"إن الدين عند الله الإسلام....( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).. (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)...(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
لقد تجاوزت موريتانيا مراحل هامة على طريق التنصير بفعل عوامل عديدة من أهمها وجود التربة المناسبة وسهولة الاختراق وترسخ الجهل بالدين في شرائح واسعة إضافة إلى ترسخ الصراع الطبقي والعرقي الذي جعل شرائح عديدة مستعدة للتحالف مع الشيطان في سبيل تحقيق وضع تظنه أفضل بمعايير تضليلية مختلفة لمطاولة منافسيها الآخرين في الميدان وسيطرت خلال العقدين الماضيين ذهنية تحيصلية استهلاكية ما دية جعلت الفرد بل والمجموعة في بعض الأحيان مستعدين لبيع الوطن والأمة لقاء دريهمات قليلة ينتزعونها من جيوب الغزاة المنصرين والمغربين واللادينيين في ظل غياب تام للدولة وأجهزتها التي استطاعت المنظمات التنصيرية أن تخترقها ومرت البلاد بأيام منعت فيها الصحف ووسائل الإعلام من نشر أي معلومات تتحدث عن هذه المخاطر.
واستطاع المنصرون المتدثرون بلحاف المنظمات الإنسانية المهنية العاملة للتصدي للكوارث الطبيعية والتدخل في المجال الإنساني أن تجد غطاء مناسبا لعملها التخريبي الذي ركز على إفساد القيم الأخلاقية بوصفه أهم وسيلة لسلخ المسلمين من دينهم تهيئة لنفسيتهم لقبول أي نشاط عقائدي بديل عن عقائدهم الفطرية الأصلية ونلاحظ العدد الكبير جدا من التعاونيات والمحلات والمطاعم المفتوحة لمثل هذه الأنشطة المشبوهة.
وقد اعتمد المنصرون منذ فترات طويلة أساليب ماكرة خبيثة للتغطية على أعمالهم الخبيثة فاتجهوا إلى إنشاء منظمات دولية تتدثر بلحاف الإنسانية واتخذوا منها شعارا كاذبا براقا للنفوذ إلى أعماق المسلمين مستغلين الحاجة والفقر والمرض والجهل وهي ذات العوامل التي نتجت عن السياسات الاستعمارية وهيمنة الرأس مالية المتوحشة:
ولعل من المفيد هنا أن نشير إلى أن أخطر أساليبهم تتمثل فيما يلي:
1- نفوذ المنصرين عبر التطبيب، وتقديم الرعاية الصحية للإنسان: وقد ساهم في تأثير هذا الأسلوب عامل الحاجة إلى العلاج، وكثرة انتشار الأوبئة والأمراض الفتاكة في البيئات الإسلامية، خصوصا مع مرور زمن فيه ندرة الأطباء المسلمين، بل فقدانهم أصلا في بعض البلاد الإسلامية.
2- التنصير عن طريق التعليم: وذلك إما بإنشاء المدارس والجامعات النصرانية صراحة، أو بفتح مدارس ذات صبغة تعليمية بحتة في الظاهر.
3- التنصير عبر وسائل الإعلام: وذلك من خلال الإذاعات الموجهة للعالم الإسلامي، إضافة إلى طوفان البث المرئي عبر القنوات الفضائية في السنوات الأخيرة، فضلا عن الصحف والمجلات والنشرات الصادرة بأعداد هائلة.. وهذه الوسائل الإعلامية: المرئية، والمسموعة، والمقروءة كلها تشترك في دفع عجلة التنصير من خلال مسالك عدة:
(أ) الدعوة إلى النصرانية بإظهار مزاياها الموهومة، والرحمة والشفقة بالعالم أجمع.
(ب) إلقاء الشبهات على المسلمين في عقيدتهم وشعائرهم وعلاقاتهم الدينية.
(جـ) نشر العري والخلاعة.
وليس للمسلمين اليوم من عاصم إلا التمسك بدينهم والعض عليه بالنواجذ والمعصوم من عصم الله (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) وكما قال سبحانه: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
لكن كيف نواجه التنصير؟
لم يعد من المستساغ أن نواجه المخاطر والتحديات الجديدة بالسكوت والتغاضي بصوت خافت هنا وكلمة هناك ولا يعقل أن تظل إستراتجية المواجهة مقتصرة على مجرد كلمات وخطب وملصقات توزع هنا وهناك بل لابد من أن تنشأ مؤسسات تقود هذه المواجهة ولابد أن يقدم العلماء والأئمة والدعاة تضحياتهم في سبيل الله نصرة لحملات جديدة وجهود غير عفوية تتولى استمرار المد المقاوم لغول التنصير الزاحف على القيم وما لم يتقدم العلماء هذه المسيرة ويقدوها تضحية وجهادا في سبيل حماية الدين وإعزازه فلا ينتظر من عوام المسلمين أن يكون لهم موقف جاد غير التعاطف العابر الذي لا يؤسس موقفا ولا يبني عملا مستمرا يجابه ويحبط هذه المؤامرات المستمرة التي تستهدف بيضة دار الإسلام بخطر محدق داهم.
بتاريخ : 06/04/2014
0 التعليقات:
إرسال تعليق