
فما
معني الفكر؟ ومصطلح (المفكر الإسلامي)؟ وما علاقة المفكر بالفقيه ؟
الفكر
يقصد به نوعاً من الإدراك والفهم الذي ينطلق من قدرة الإنسان على استيعاب العلم
وتجاوزه؛أي الخروج من تفاصيله الجزئية إلى رؤيته الكلية، التي تتيح للإنسان معرفة حدود
العلم وإمكانيات توظيفه؛ متى يوظف العلم؟ ولماذا يوظفه؟ وكيف نوظفه؟ إلخ.
أما المفكر
الإسلامي: هو الدارس والناقد والمحلل لمناهج التراث الإسلامي (لا لمسائله الجزئية)
وللواقع الإسلامي، ليتبين الصواب فيهما، ويصحح الخطأ، ويستشرف المستقبل، ويضع تصوره
لخطط تَقدُّم الأمة وتصلح من حالها، منطلقا من المبادئ الإسلامية ومن التصورات
الملتزمة بالشريعة (عقائدَ وأحكامًا (
أما الفقيه
فيختلف عن المفكر من حيث أدواته المنهجية وتكوينه المعرفي؛ فهوأخذ هذا اللقبَ
لكونه مبيِّناً للأحكام موضحاً للحلال والحرام؛ فوظيفته بيان حكم الشريعة في
المسائل النازلة بالناس والحوادث الطارئة فيهم، لذالك سماه ابن القيم موقِّعاً عن رب العالمين
لقد تصدرت هذه الأمة موقع الشهادة على الناس، فقدّمت لهم الهداية وأدت
مهمتها بكفاءة فأقامت مجتمع الهدى والخير والعدل، وكانت قبلة العلم والتقدم،يأتي
إلى مؤسساتها ومعاهدها الراغبون في التعلم فينهلوا منها العلم في مجالاته المختلفة،
والقيم في مستوياتها المتعددة، وأنماط السلوك الحضاري في أرقى صوره من إدارة
وتنظيم فقدمت لنا قيادات متخصصة في كل مجال من مجالات القيادة، كان أبرزها
مجال العلوم والمعارف والأفكار. ففي وقت مبكر ظهر الحرص على حفظ تراث النبوة، وذلك
بتدوين الحديث النبوي الشريف، والسيرة النبوية، ونبغت في ذلك قيادات من الحفاظ
والرواةوالمدونين والمحققين والمدققين، وتشكلت من ذلك علوم لم تعرفها الأمم
السابقة منهاعلوم الرواية والدراية ومصطلح الحديث، والجرح والتعديل، والعلل. ودونت
هذه العلوم،وأصبحت كتبها أصولاً ومراجع ومصادر، لكل ما جاء بعدها من تطور ونبوغ فأصبح
علماءالحديث قيادة فكرية لمدرسة من مدارس الفكر الإسلامي، تميز فيها علماء كبار كماقدمت
لنا قيادات فكرية في مجال الأحكام الفقهية الشرعية كما لم تقتصر هذه القيادات على
مجال العلوم الشرعية بل ظهرت كذلك قيادات في علوم الطب، والفلك والبصريات
والكيمياء وغير ذلك. كابن سينا صاحب كتاب القانون في الطب، وأبو بكر الرازي صاحب
كتاب الحاوي في الطب،وأبو القاسم الزهراوي صاحب كتاب علم الجراحة المسمى التصريف
لمن عجز عن التأليف،وغير ذلك كثير.
وفي ظل سعي الأمة إلى استعادة رسالتها وبالنظر في إشكالات واقعها المعاصر نجد أن عقبتها الوحيدة تتجسد في كيفية فهم الخطاب الشرعي؟ وكيفية تنزيله على معطيات الواقع ومتغيرات أحوال الناس؟ وإن بلوغ الأمة إلى التحقق بهذا التكليف الرباني، الذي هو أمانة الاستخلاف والقيام بالشهادة على الناس، إنما يتم من خلال تأهيل النخبة العالمة في الأمة، من مفكرين وفقهاء ذلكم التأهيل الموعود به في أمانة التكليف الوارد في الخبر، الحاث على الإنشاء والتكوين، وليس مجرد إخبار عما سيكون تحذيرا مما سيؤول إليه الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين".
وهناك أركان لسلامة تفكير المفكرالإسلامي:
- أن يكون على معرفة بمحكمات
الشريعة: (قطعيات كل من: الكتاب، والسنة، والإجماع) والمحكمات منها ما لا يجهله مسلم، كثبوت
القرآن، وأن هناك قدرة على تمييز صحيح السنة مما لا يصح، وكأركان الإيمان
والإسلام، ووجوب الصدق والوفاء والبر وصلة الرحم، وتحريم الفواحش كالزنا والربا
والخمر والسرقة... إلخ ومنها: ما قد
تلتبس، بحسب نقص العلم، وبسبب شيوع الشبه التي تستر وضوحها وتُخلُّ بقدرة العقل
على تمييزها. وهذه مع تجرد للحق يمكن بسهولة الوصول إليها؛ لأنه مهما أخفاها الجهل
أو الهوى فهي تبقى يقينيات.
كما ينبغي للمفكر الإسلامي كذالك :
- عدم الخوض فيما لا يعلم،
فكون ( المفكر الإسلامي) يدرك بعض المعلومات الشرعية لا يبيح له ذالك الكلام
والخوض فيما لا يعرفه منها.
الحذر من الشذوذ، وعرض الرأي الذي يخالف فيه جماهير أهل العلم-
-الحاجة للتقليد المنضبط:
فما لا يدركه من علم يضطر فيه إلى التقليد، وهذا في كل العلوم، وهو تقليد يوجبه
العقل، ويمارسه كل العقلاء وللتقليد الذي يوجبه العقل منهجٌ علمي منضبط يقرره
العلم ويقبله العقل.
يمكنه من
خلال بحث المسائل الجزئية أن يتبين هل فيها دليل يقيني يلزم المصير إليه؟ فإن تبين
له يقينية مسألة جزئية يقينية لا شك فيها جعلها بيقينيتها محكمة من المحكمات: يُرجع إليها المشتبه، ولا تؤثر في
يقينيتها الشبهات أم أنها مسألة ظنية (خفية الاستدلال)؟ ليقلد فيها أهل العلم،
بناء على الخطوات السابقة
هذه أهم أركان سلامة تفكير المفكر الإسلامي من الأصول الشرعية، بعد
أركان التفكير نفسها،
إذا فالعلاقة بين المفكر والفقيه علاقة تكامل فعدم
انضباط المفكر بالكتاب والسُّنة، يؤدي إلى الفوضى الفكرية ، كما أن انضباطه بنصوص
الفقيه ورجوعه إليه في ما يتعلق بأمور الشريعة ،من نوازل العصر وجعله عضداً ونصيراً له ، يحقق بإذن الله الرؤية السليمة
0 التعليقات:
إرسال تعليق