الموازنات في الحكم على الأشخاص والجماعات بين الإفراط والتفريط ~ مدونة الأخوة

a

عن الموقع

span id="st_finder">

تابعنا عبر البريد

الاثنين، 2 نوفمبر 2015

الموازنات في الحكم على الأشخاص والجماعات بين الإفراط والتفريط

|



قال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين : "والشريعة مبناها وأساسها يقوم على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها،  ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل".
إن مراعاة فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد من الأمور المهمة التي ينبغي للعاملين لدين الله مراعاتها ، لعظم الحاجة إليها خاصة في هذا الزمان الذي أصبحوا فيه بين إفراط وتفريط، فطائفة لم تعتد بالمصالح الراجحة فخالفت بذلك النصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وطائفة تساهلت في اعتبار المصالح وتوسعت في استعمالها على حساب النصوص الشرعية الواضحة فلم تراع (فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد) ووفق الله طائفة فتوسطت بين هاتين الطائفتين فعملت (بفقه الموازنة بين المصالح والمفاسد) في ضوء نصوص الكتاب والسنة مراعية في ذلك الأصول والضوابط الشرعية، ومستفيدة من أفهام العلماء المحققين من سلف هذه الأمة ،

 فالله سبحانه وتعالى  قد شرف هذه الأمة بأن جعلها أمة وسطا  قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ كما تَجَلَّتْ نعمةُ الله تعالى في أن جعل أهلَ السنّةِ والجماعةِ وَسَطًا في هذه الأُمَّة، عدولاً بين سائر الفِرَق الأخرى، في كلِّ المسائل المتنازَع فيها، فالوسطية من الخصائص التي امتاز بها منهجُ أهلِ السُّنَّة في الاعتقاد، بينما أهلُ الفِرَق الأخرى أَصَّلوا لأنفسهم قواعدَ وحاكموا إليها نصوصَ الشرع، فما وافق منها قواعدَهم عضَّدوا بها مقالتَهم، وما خالف ردُّوه، حتى أصبحت مناهجهم تدور بين الغُلُوِّ والجفاء، وبين الإفراط والتفريط، لذلك كان أهلُ السُّنَّة أسعدَ الناس بموافقتهم الحقَّ والصوابَ بتسليمهم المطلق لنصوص الكتاب والسُّنَّة، فلا يردُّون منها شيئًا، ولا يعارضونها بشيءٍ، وإنما يقفون حيث تقف بهم النصوصُ من غير اعتداءٍ عليها ولا تجاوزٍ عنها بتحكيم قواعدَ عقليةٍ ولا آراءَ وأقسية منطقية، ممتثلين في ذلك لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ، فكانوا على هديٍ قاصد وصراط مستقيم، ملتزمين التوسُّط بين الإفراط والتفريط، اللذين هما سِمَتَا مناهج الفِرَقِ الأخرى.
و من المسائل التي كثر الجدل حولها في أوساط العاملين لدين الله ما يسميه بعضهم بقاعدة "الموازنات" في الحكم على الأشخاص والجماعات، وهذه المسألة ـ كمعظم المسائل التي يدور فيها خلاف بين المنتسبين إلى السنة ـ ترجع كما قال شيخ الإسلام إلى الإجمال حيث يجب التفصيل، فنجد فريقاً يتمسك بقوله تعالى (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا) ونجد فريقا آخر يتمسك بقوله - صلى الله عليه وسلم)  كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة).
لكن ترى كيف يتم تقويم الشخص أو الجماعة أو الطائفة ؟ وكيف تقوم الأفكار والأقوال حتى يحكم عليها بالكفر أو البدعة  أو الضلال؟
في هذه الحالة لابد من معرفة أقوال وأفعال الشخص أو الطائفة ودراستها ، ليعلم حكم الله فيها، و ليعلم أحوال هؤلاء من وجود شروط تطبيق الحكم على المعين، وانتفاء الموانع من عدم ذلك، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى كون الكفر ليس على درجة واحدة بل بعضهم أكثر شراً من بعض(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً(  فضاعف لهم العذاب لكونهم ضموا إلى الكفر الصد عن سبيل الله، وكذلك الذنوب منها  كبائر وصغائر، والبدع منها ما يصادم كلياً من كليات الشريعة  ومنها ما يكون بدعة جزئية.
قال ابن تيمية -رحمه الله- بعد ذِكْرِ الخوارج: «وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالُهم بالنصِّ والإجماع لم يكفَّروا مع أمرِ اللهِ ورسولِه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم بقتالهم فكيف بالطوائف المختلفة الذين اشتبه عليهم الحقُّ في مسائلَ غلط فيها مَن هو أعلم منهم؟ فلا يحلُّ لأحدٍ من هذه الطوائفِ أن تكفِّر الأخرى، وتستحلَّ دَمَها ومالَها، وإن كانت فيها بدعة محققَّة فكيف إذا كانت المكفِّرة لها مبتدعة أيضًا؟ وقد تكون بدعة أغلظ، والغالب أنهم جميعًا جهّال بحقائقِ ما يختلفون فيه  (مجموع الفتاوى) (3/282-283)، وفي معرض ذِكر أهل الأهواء والبدع من الفِرق الثِّنتَين والسبعين فِرقة فقد عدّهم ابنُ تيمية من جُملة المسلمين، والوعيد الوارد فيهم كالوعيد في أهل الكبائر، وهو قولٌ سبقه إليه السلف والأئمّة، قال ابن تيمية -رحمه الله-: «..إن لم يكونوا في نفس الأمر كفَّارًا لم يكونوا منافقين، فيكونون من المؤمنين، فيُستغفر لهم ويُترحَّم عليهم، وإذا قال المؤمن: ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان يقصد كلَّ مَن سبقه من قرون الأُمّة بالإيمان وإن كان قد أخطأ في تأويلٍ تأوّله فخالف السنّة أو أذنب ذنبًا فإنه من إخوانه الذين سبقوه بالإيمان، فيدخل في العموم وإن كان من الثنتين والسبعين فِرقة، فإنّه ما من فِرقة إلاَّ وفيها خَلْقٌ كثير ليسوا كفّارًا، بل مؤمنون فيهم ضَلاَل وذنب يستحقّون الوعيد كما يستحقُّه عصاة المؤمنين، والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لم يخرجهم من الإسلام بل جعلهم من أُمَّته، ولم يقل: إنهم يخلَّدون في النار، فهذا أصلٌ عظيمٌ ينبغي مراعاته (منهاج السنة (5/240-241)
والحكم على الشخص بما يستحقه مهم لأنه يترتب  عليه الولاء والبراء القلبي اللذان يتجزآن، كفرع على مسألة زيادة الإيمان ونقصانه فيوالي المؤمن المطيع من كل وجه، ويعادي الكافر من كل وجه عداوة تزداد بزيادة صده عن سبيل الله، ويوالي المسلم بمقدار ما معه من إيمان ويبغضه بقدر ما معه من البدع  والمعاصي
أما في ما يخص جانب تقويم  الأقوال والأفعال فإنه مما ينبغي العناية به في هذا الجانب أن الحق يقبل ممن جاء به، والباطل مردود على من جاء به، ومن النصوص التي يكثر الاستدلال بها في هذه القضية قوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي هريرة لما أخبره الشيطان  بأن آية الكرسي حرز من الشيطان قال: (صدقك وهو كذوب)، وقد تمسك المطلقون لقاعدة الموازنات بهذا الحديث على إطلاقه، وأعرض الرافضون لهذه القاعدة عنه ، فهذا الحديث يدل على قبول الحق ممن جاء به، ذلك ليس لمجرد الإنصاف فحسب، بل للاستفادة من ذلك متى وجدناه حقاً مشروعاً، أو مباحاً إذا كان الأمر يتعلق بالوسائل، كحفر الخندق الذي أخذه النبي صلى الله عليه وسلم  من فعل فارس، ولما كان من باب الوسائل، وكان الأصل فيه الإباحة أخذ به - صلى الله عليه وسلم -، وتظهر أهمية هذا في إدراك أن وجود قضايا مشتركة بين أهل السنة، وبعض أهل البدع لا تجعلنا نجعل هذه القضايا من جملة البدع، وقد غلا قوم في ذلك حتى عدوا الكلام في الحاكمية ولو بنصوص الكتاب والسنة وكلام أئمة السنة مشابهة للخوارج وعدوا الكلام في الإمامة موافقة للشيعة.
 فقاعدة  بن القيم التي ذكرنا سابقا (والشريعة مبناها وأساسها يقوم على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ) من أعظم القواعد العاصمة بإذن الله من المزالق، والمخاطر، والانحراف غلوا أو تقصيرا، و ينبغي التنبيه إلى أن المراد بالمصالح والمفاسد هو أنها ما كانت كذلك في حكم الشرع لا ما كان ملائما للطبع، ولا يكون تقريرها وفق أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية ودرء مفاسدها العادية ، ثم إن النظر في تقدير المصالح والمفاسد وتقريرها والترجيح بينها يحتاج إلى تقوى لله صادقة و وبصيرة علمية نافذة و معرفة واسعة بالواقع، ليتمكن العامل لدين الله من تحقيق مقصود الشريعة التي (جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما)
قال العز بن عبد السلام: "واعلم أن تقديم الأصلح فالصالح... مركوز في طبائع العباد... فلو خيرت الصبي الصغير بين اللذيذ والألذ لاختار الألذ، ولو خير بين الحسن والأحسن لاختار الأحسن، لا يقدم الصالح على الأصلح إلا جاهل بفضل الأصلح أو شقي متجاهل لا ينظر إلى ما بين المسرتين من تفاوت"

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Get The Fixed Menu Gadget
Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
back to top