
فاستقبله عمر .. وحين رآه على حاله التي كان عليها قبل الإمارة ،
لم تغير الدنيا هيئته، ولم تفسد الإمارة شأنه ، ولم تعكر روحه ، أو تعدوعلى إيمانه ، رياح التغيير ، ومراكب الإمارة ،
فتتغير بها الثوابت ، وتتبدل المواقف .. أمام هذه الصورة الجليلة البهية ، لم يجد
عمر – رضي الله عنه – من عبارات التكريم والتبجيل ، في الترحيب والاحترام ، إلا أن
يقول له : أنت أخي وأنا أخوك ..
نعم .. أنت أخي
وأنا أخوك ..
وفي هذا الترحيب دلالة على عظمة رابطة الإخوة ، في نفوس الصحابة
الكرام ، بل له في نفس كل الذين يفهمون حقيقة هذا الدين
فأنت أخي ، وأنا أخوك ..
تأكيد على الرابطة ، وتذكير بها ، إذ هي محطة فخر واعتزاز بين
المؤمنين .. فهي النعمة العظيمة .. ( فأصبحتم بنعمته إخواناً ) .. وهي الرابطة
الربانية .. والهبة الكبرى .. ( لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ،
ولكن الله ألف بينهم ) ..
أنت أخي ، وأنا أخوك ..
دمك دمي ، وعرضك عرضي ، ومالك مالي ، ومالي مالك ، وفرحك فرحي ،
وحزنك يؤلمني ، أنا بك ، وأنت بي ، وبعضنا لبعض كالبنيان المرصوص .. يشد بعضه
بعضاً ، إن أصبت شددت على يديك مؤيداً ، وإن أخطأت شددت على يديك محذراً ومنبهاً
..
أنت أخي وأنا أخوك ..
تفرحني طاعتك .. فأبتهج بها ، وتزيدني قرباً من الله .. أدعو لك
بالثبات على الطاعة ، والدوام في فعل الخيرات .. أسعد لحظاتي ، هي تلك اللحظات
التي يلهج بها لساني لك بالدعاء في ظهر الغيب .. إنها لحظات مستجابة الدعاء ،
عظيمة العطاء ، تستحق من المولى كل الثناء .. فيأتي جمع الملائك مؤمناً ، قائلاً :
ولك مثل ذلك ..
أنت أخي وأنا أخوك ..
تحزنني معصيتك ، وتؤلمني غفلتك ، ويوجعني تقصيرك ، ويزلزل فؤادي
نكوصك على عقبيك ، غيابك عن مجالس الخير يقلقني ، .. فارفق بنفسك .. وشد للطاعة
مئزرك ..
فالأخوة الصادقة توجب
الحزن الشديد .. حين يقترف الأخ معصية ، أو تلم به غفلة.. على عكس حال الكثيرين في
أيامنا هذه ، الذين يدعون الأخوة ، وما عرفوا منها غير الرسم ، وشيئاً من الاسم ..
حين يصرمون الود ، ويقطعون الوصل ، ويحل الجفاء .. إن ظفروا بمعصية الأخ وغفلته ..
أنت أخي وأنا أخوك ..
تتوثق عراها ، وتزداد جذوتها ، وترتقي درجاتها ، وتعظم مكانتها
.. بالطاعات وحسن الالتزام ، وصدق الانتماء للصف المسلم .. وهذه الطاعات جعلت أمير
المؤمنين يؤكدها في هذا الموقف بالذات ..
ولا تؤتى الأخوة إلا من قبل الذين يضعف التزامهم ، ويتلون
انتماؤهم ، وتتبدل في المقامات المختلفة أحوالهم .. وتتغير في هذه الأحوال نبراتهم
..
أنت أخي وأنا أخوك ..
أخوة عقيدة عظيمة ، أعظم من أخوة الدم ، وإن قالوا في أخوة الدم
يوماً : الدم لا يصبح ماءً .. فمن الأولى أن لا تصبح العقيدة التي تفدى بالدم ،
ويقدم الدم مهراً رخيصاً في سبيلها هينة رخيصة .. أمام ذنب صغير .. أو تجاوز..أوخطإ..
أو حاجة ما .. فأنت أخي وأنا أخوك .. رغم العثرات ، والسقطات ، والجهالات .. لا
مناص من أخوتك .. مادمت على درب الإيمان ..
أنت أخي وأنا أخوك ..
وإن تباينت المراتب ، واختلفت الرتب الدنيوية ، ومواقع المسؤولية
، فأنا خليفة – عمر بن الخطاب- وأنت موظف صغير في خلافتي – حذيفة - .. لكن هذا لا
يغير من حقيقة الأخوة شيئاً ، فأنت أخي وأنا أخوك .. درس عميق ، ما أجمل أن يقف
عنده السائرون إلى الله طويلاً ، فلا تكون الأخوة شيئاً عابراً في حياتهم ،
وحدثاًَ طارئاً في مسيرتهم ، بل أصل أكيد ، وحقيقة ثابتة ، وأولوية كبيرة .. لا
يغيرها موقع ، ولا يبدلها موقف ، ولا تعدو عليها عادية ، وإن عظمت ..
أنت أخي وأنا أخوك ..
ارفعه شعاراً قوياً .. واضحاً في معالمه ، صادقاً في رفعه ،
مخلصاً في التزامه .. مع كل العاملين في ميدان الدعوة إلى الله ، وإن اختلفت
الوسائل ، أو تباينت المناهج والرؤى .. فتذكر أخي هذه الأخوة العظيمة .. وعش طيب
النفس ، سامي الروح في ظلال هذه القاعدة الفاروقية العظيمة .. أنت أخي وأنا أخوك ..!!
0 التعليقات:
إرسال تعليق