مابعد السلفية ) على فكرة (ما بعدَ الإسلاموية)
لقد أصبح قطار التنوير (الليبرالي) يجوب عالمنا الإسلامي ليحمل كل من لديه نفسية الهزيمة، وضعف الانتماء وتخلخل الثقة بالنصوص الشرعية يسير بقوة وبسرعة هائلة ومما يحز في النفس ويندى له الجبين أن يكون في مقدمة هذا القطار
من كانوا يتشرفون بالإنتماء للتيارالسلفي ولا يملون من التغني ليل نهار بهذا الشرف بل لا يمل لسان الواحد منهم من الثناء على المثل العليا لمصلحي وقادة هذا التيار في الماضي والحاضر بل ربما كانو من من يحسبون من القادة ، إنها حقيقة مرة يصعب تصورها لكن لا عصمة لأحد نسأل الله الثبات على الحقً
هؤلاء اغتروا وانخدعوا بالخطاب الليبرالي التنويري ذلك الخطاب الخداع الذي خلطَ الحق بالباطل، فأصبح مصيدة لكثير ممن كانوا رواحل للحق فوقعوا في أباطيله عن قصد أوعن غير قصد، .
ومما يميز المنخدعين بهذا الفكر شذوذ أفكارهم وسقمها يقول أحدهم:
(التصور الحقيقي للولاء والبراء ينبغي أن يكون مربوطاً بمصلحة الأمة ومصلحة الدولة ومصلحة المجتمع) .. ولاء وبراء وفق رؤيته التنويرية ، و يقول آخر : (أنا لا أكفر مسيحياً ولا يهودياً ولا بوذياً ولا أياً كان, أنا لي موقف متفهّم للأديان كلها)
لقد وصل هؤلاء التنويريون إلى مرحلة تؤكد فساد منهجهم وابتعادهم عن المنهج الشرعي فكثيراً ما نسمع منهم عبارات فلسفية لا طائل من ورائها وبهرجة كلامية لامعنى لها فقد تضخّم عندهم الفقه المقاصدي بشكل كبير في مواجهة السنة وتطبيقها ونسوا أوتناسوا أن فقه المقاصد إنما جاء به عباقرة الفقه الإسلامي كرافد يعين على تثبيت النص والبناء عليه، وهم يحاولون جعله معولاً لهدم النّص فالقول بالمصالح والمقاصد والنظر فيها من أهم روافد الفقه الإسلامي وأحد عوامل سعة وشمول هذه الشريعة لكنّه مضبوطا بضوابط صارمة عند أهل الشريعة أهمّها احترام النصّ وقدسيّته والتنويري دوما يحاول القفز على النص والعبور مباشرة إلى النظر المقاصدي
يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - مع أنّه من الروّاد في توظيف رعاية المصالح في بناء الأحكام: «وهذا فصلٌ عظيم ينبغي الاهتمام به، فإنّ من جهته حصل في الدّين اضطراب عظيم، وكثير من الأمراء والعلماء والعباد رأوا مصالح فاستعملوها، بناء على هذا الأصل، وقد يكون منها ما هو محظور في الشرع ولم يعلموه، وربما قدم على المصالح المرسلة كلاماً بخلاف النصوص.. والقول بالمصالح المرسلة يشرع من الدين ما لم يأذن به الله غالبا وهي تشبه من بعض الوجوه مسألة الاستحسان والتحسين العقلي والرأي ونحو ذلك.. وكثير مما ابتدعه الناس من العقائد والأعمال من بدع أهل الكلام، وأهل التصوف، وأهل الرأي، وأهل الملك حسبوه منفعةً أو مصلحةً نافعاً وحقاً وصواباً، ولم يكن كذلك؛ بل كثير من الخارجين عن الإسلام من اليهود والنصارى والمشركين والصابئين والمجوس يحسب كثير منهم أن ما هم عليه من الاعتقادات والمعاملات والعبادات مصلحة لهم في الدين والدنيا ومنفعة لهم الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعًا وقد زين لهم سوء عملهم فرأوه حسناً» الفتاوى باختصار (11 / 343 -34 ولهذا فالقول بالمقاصد يحتاج إلى فقه دقيق وهو واقع بين خوف الفقهاء والعلماء من أهل السّنّة، وقد أصبحت الجرأة على الفتوى المخالفة للنّصوص سمة بارزة لرموز هذا المنهج ومنتسبيه مدّعين بذلك التّيسير على النّاس، فأبطلوا الشرائع، وأحدثوا في دين الله أمراً جللاً، استغلّه أفراخهم ومنتسبيهم الجدد في تقنين التّفلّت من الدّين، وتشريعه؛ ليكون فقهاً عصرياً يناسب المرحلة الراهنة، وهي – للأسف- هرطقة تتلبس بلباس المصلحة، وتتّخذ من المنهج التّيسيري مركباً تركبه تسويغا لمخافة نصوص الشرع ويتجلى ذالك في أمور منها :
التّوسّع في قاعدة الضّرورات بحجة مراعاة الضرورة، حتى ولو لم تنطبق على الحالة شروط الضّرورة المعتبرة عند الفقهاء والعلماء الّذين بيّنوا متى يمكن اعتبار الحال ضرورة يُسوّغ معها الاستثناء من النّص ومنها تتبّع الرّخص والأقوال الضّعيفة والشّاذّة و التّلاعب بالألفاظ الشّرعيّة إمعانا في الإخلال بالثوابت الدينية وتمييعا للمسلمات العقدية ويتفق معظم التنويريين على تحميل“السلفية” مسؤولية التخلف السياسي والاستبداد الذي تعيشه الأمة الإسلامية وهم يقصدون السلفية الحقيقية، بمعنى
منهج تقديم النص الشرعي الثابت قبل الرأي بفهم الصحابة فهم يزعمون إن الطيف السلفي كله، من السلفية الجهادية، إلى السلفية الجامية، مرورا بالسلفية العلمية، مؤصل للاستبداد والطغيان وأنه أصل الشر والبلايا على هذا العالم
وقد جاء كتاب (ما بعد السلفية ) للكاتبان أحمد سالم وعمرو البسيوني مجسدا لهذه الفكرة وحسب قرائتي المتواضعة للكتاب وجدته عبارة عن قراءة نقديَّة في الخِطاب السلفيِّ المعاصِر يمكن ان تنضاف للقراءة"التفكيكيَّة" التي ارتبطت في الأدبيَّات الفلسفيَّة الغربيَّة بـ"ما بعد الحداثة"، وقد كانتْ في بدايتها الأسلوبَ النقديَّ الذي اتَّبعه الفيلسوف الفرنسيُّ المعاصر "جاك دريدا" لمهاجمةِ الفِكر الغربي الميتافيزيقي (الماورائي)، وسمَّى أسلوبَه ذلك بـ"التقويض" او التفكيك ومما يؤكد تأثرهما بالكتاب الغربيين ماجاء في هذه الفقرة
((عندما طرَح بعضُ الغربيين مِن دارسي الحركة الإسلاميَّة فِكرة ما بعدَ الإسلاموية = قصَد بها باختصارٍ: أنَّ التيارات الإسلاميَّة غير العنفية، ستندمِج أكثرَ في العملية السِّياسيَّة؛ ممَّا يؤدِّي لتنامي جيل بدأ في الظُّهور بالفِعل، وهذا الجيل يَتخلَّى شيئًا فشيئًا عن المكوِّنات الصُّلبة داخل الإسلاموية؛ سعيًا نحو اندماج أكثرَ في الحداثة، سواء بعد أسلمة هذه الحداثة، أو حتى بعد تنحيةِ فِكرة وجوبِ الأسلمة جانبًا، والقبول بمعاني! أكثرَ اتِّساعًا لفصلِ المُقدَّس الدِّيني عن الممارسةِ السياسيَّة، سواء كان هذا الفصلُ اعتقادًا، أو نوعًا من البراجماتيَّة طويلة المدى.كانتْ هذه الفكرةُ جذَّابة، وصار الواقع يَحشُد بنفسِه أدلَّةَ صِدقها، خاصَّة مع تأمُّل المسار الذي سارتْ فيه حركةُ النهضة بتونس، ثم حدَثت التطوُّراتُ الأخيرة في مصر، والتي أدَّت لنوع من اهتزازِ الصورة يصعُب معه تحديدُ ما ستؤول إليه )) ص 496
فالكاتبُ الغربيُّ صاحب فِكرة (ما بعدَ الإسلاموية)الذي نَعَتاهُ بدارسٍ للحركة الإسلاميَّة بَشَّر في كتابه (بأُفول التيَّارات الإسلاميَّة) واندماجِها في الحداثة، وصاحبَا كتابِ (ما بعد السَّلفية) بشَّرا(بأفول التيارات السلفية واقترابها مِن الاتجاهاتِ الإصلاحيَّة التنويريَّة
ومن شواهد البغي المؤلمة التي لم نكن نتلقاها إلا من الحداثيين قولُ الكاتبين: (إن كلَّ حسابات التيار الإسلامي - التي يسميها تقليلًا للشر - هي حساباتٌ ماديَّةٌ) [506]،
فهذه كلِّيَّةٌ جائرةٌ لم يُراع فيها القيام بموجب الحق من القول بالعدل والشهادة بالقسط واتقاء بخس الناس أشياءَهم، طَعَنا في حسابات الإسلاميين بما لا يجدر أن يصدر عن رجل يبغي للناس صلاحًا وهدًى.
وقد ركز الكاتبان في كتابهما على مسألتي التخلُّف السلفي معرفيًّا" و" الفَشَل واقعيًّا" فحينما تقرأ الكتاب من بدايته الى نهايته ﻻ تكادُ تُخطئ هيمنة هاتين القضيتين على الكتاب مِن بدايته الى نهايته ، فعلى سبيل المثال: قالَا في بداية الكتاب :«إنَّ أوَّل خُطوات انتزاعِ السلفيَّة المعاصرة من حالة السُّبات الوثوقيِّ التي تعيش فيها: هي أن نُبيِّن للمنتسبين لها حقيقةً صُلبةً، وهي:( أنَّ السلفيَّ لم يَحُلَّ مشكلةَ التنازع التأويليِّ للكتاب والسُّنَّة بأنْ يَرُدَّ الناسَ لفَهم السلف) ص 11
حينما قرأت عنوان الكتاب حسبته سيكون لبنةً في طريق الإصلاح لخطاب السلفية المعاصرة فكان أحدَ بوائقها، جاء مشوِّهًا للصورة ولم يقدِّم قراءةً أمينةً لها، تحدَّث عن خطابٍ امتدَّ عقودًا واتَّسع ليشمل رقعةً واسعةً من هذا العالم خلص كاتباه بجُملةً من الأحكام الخالية من البُرهان العلمي والتي تَجعَلُ من السلفيَّة(وبخاصَّة المعاصرة) عِبئًا على الأمَّة الإسلاميَّة، وينبغي أن لا يُنكَر على مَن سعَى لتقويضِها وتخليصِ الناسِ منها وهذا مايقرره أصحاب الفكر التنويري
رابط المقال على موقع منتدى المفكرين المسلمين
0 التعليقات:
إرسال تعليق