من أسباب الإرتقاء بالهمم 2 ~ مدونة الأخوة

a

عن الموقع

span id="st_finder">

تابعنا عبر البريد

السبت، 13 يوليو 2013

من أسباب الإرتقاء بالهمم 2

|



من رحمة الله عز وجل بعباده، أن جعل لهم مواسم للخير، يكثر أجرها ويعظم فضلها، حتى تتحفز الهمم، وتنشط العزائم ابتغاء الأجر العظيم والثواب الجزيل، وشهر رمضان من أعظم تلك المواسم، فهو شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن، شهر يُنادى فيه: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، ولله فيه عتقاء من النار كل ليلة، فما أعظم فضل هذا الشهر، وما أجل منـزلته ومكانته، وما أعظم مِنَّة الله على العباد فيه، تلك المنة التي من تأملها عرف عِظَم فضل الله عليه، حيث أحياه ومد في عمره حتى أدرك هذا الشهر العظيم.
فاحرص -أخي المسلم- على اغتنام هذا الشهر المبارك، وتذكر حال إخوان لك كانوا بالأمس معك، فحضروا رمضان وقاموا وصلوا وصاموا، ثم أتتهم آجالهم، فقضوا قبل أن يدركوا رمضان الآخر، فهم الآن في قبورهم مرتهنون بأعمالهم , فتذكر حالهم ومصيرهم، وجِدَّ في عمل الصالحات، فإنها ستنفعك أحوج ما تكون إليها، وتذكر حال إخوان لك آخرين أدركوا رمضان، وهم على الأسِرَّةِ البيضاء لا حول لهم ولا قوة, يتجرعون مرارة المرض, ويزيدهم حسرة وألماً أنهم لا يستطيعون أن يشاركوا المسلمين هذه العبادة, ثم تذكر حال المحرومين ممن أدركوا رمضان، فازدادوا فيه إثماً ومعصية وبعداً من الله, فحرموا أنفسهم من الرحمة والمغفرة في أشرف الأوقات وأغلى اللحظات, فإن تذكر ذلك كله سيجعلك تقدِّر هذه النعمة حق قدرها، وتعرف فضلها وحقها، فتتوب إلى الله وتزداد من صالح الأعمال.

روى ابن ماجه بسند صحيح عن طلحة بن عبيد الله أن رجلين قَدِما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إسلامهما جميعاً, فكان أحدهما أشد اجتهاداً من الآخر, فغزا المجتهد منهما فاستشهد, ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي, قال طلحة: فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما, فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخِر منهما, ثم خرج فأذن للذي استشهد, ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنك لم يأْنِ لك بعد, فأصبح طلحة يحدث به الناس, فعجبوا لذلك, فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, وحدثوه الحديث, فقال: (مِن أي ذلك تعجبون؟), فقالوا: يا رسول الله! هذا كان أشد الرجلين اجتهاداً، ثم استشهد, ودخل هذا الآخر الجنة قبله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس قد مكث هذا بعده سنة). قالوا: بلى, قال: (وأدرك رمضان، فصام، وصلى كذا، وكذا من سجدة في السنة)، قالوا: بلى, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض).

أتـى رمضان مزرعة العباد         لتطهير القلوب من الفسـاد
فأد حـقوقه قـولاً وفـعلاً                 وزادك فـاتخـذه للمـعاد

فمن زرع الحبوب وما سقاها         تأوه نادمـا يوم الحصـاد

ولقد عرضنا في  التدوينة السابقة (من اسباب الارتقاء بالهمم1)
بعض أسباب الارتقاء بالهمة ، ونتعرض هنا لبعض الأسباب الأخرى، ومنها:
1 –مطالعة سير السلف الصالح
ومما تميَّز به السلف رضوان الله عليهم قوة الإيمان وصدق اليقين وخلوص البواطن من الشك والريبة ، فأثمر ذلك أعمالاً خالدة وانتصارات مجيدة لا زال عبيرها يبهجنا بين فينة وأخرى
قال ابن الجوزي رحمه الله : (( واعلم أن فضائل الصحابة على جميع فضائل الأنبياء ظاهرة ، وكان لسبقهم سببان :
أحدهما : خلوص البواطن من الشكّ بقوة اليقين .
والثاني : بذل النفوس للمجاهدة والاجتهاد
*
فهذا عمير بن الحمام رضي الله عنه يسمع النبي صلى الله عليه وسلم في بدر وهو يقول: (( قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض )) . فقال : يا رسول الله ! جنة عرضها السموات والأرض ؟
قال : « نعم ».
قال : بخٍ بخٍ . وهي كلمة لاستعظام الأمر وتفخيمه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ ؟ )) .
قال : لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها .
قال : (( فإنك من أهلها )) .
فأخرج عمير تمرات من قرنه ، فجعل يأكل منهن ، ثم قال : لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه ، إنها لحياة طويلة !! فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتل الكفار حتى قتل رضي الله عنه . [ رواه مسلم ] .
وهذا رجل رثّ الهيئة يسمع أبا موسي الأشعري رضي الله عنه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف )) فقام إلى موسى فقال له : يا أبا موسى! أأنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا ؟ قال : نعم . فرجع إلى أصحابه فقال : أقرأ عليكم السلام ، ثم كسر جفن سيفه ، فألقاه ، ثم مشى بسيفه إلى العدو فضرب به حتى قُتل . [ رواه مسلم ] .
 
وهذا أنس بن مالك رضي الله عنه يحكي عن عمه أنس بن النضر فيقول : غاب عمي أنس بن نضر رضي الله عنه عن قتال بدرٍ ، فقال : يا رسول الله ! غبتُ عن أول قتالٍ قاتلت المشركين ، لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينَّ الله ما أصنع ، فلما كان يوم أُحُد انكشف المسلمون فقال : اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء – يعني أصحابه– وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء –يعني المشركين– ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذٍ فقال: يا سعد بن معاذ ! الجنة وربّ النضر، إني أجد ريحها من دون أُحد. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله –والله– ما صنع!
قال أنس : فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربةً بالسيف ، أو طعنة برمح ، أو رميةً بسهم ، ووجدناه قد قُتل ومثّل به المشركون ، فما عرفه أحدٌ إلا أخته ببنانه فكنا نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه : ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾[الأحزاب:23] .
وفي قوله : ﴿صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ دلالة على صدق عزائم القوم ، كم بين اليقظة والنوم !! نسأل الله ألا يمقتنا .
لنا أن نتعرف الآن على حقيقة العزيمة الصادقة التي تدفع إلى كل عمل نبيل ، فإذا انتبه العبد من رقدة الغافلين وقصد الله والدار الآخرة احتاج بعد ذلك إلى صدق العزيمة .
قال ابن القيم رحمه الله : ((فإذا استحكم قصده صار عزماً جازماً ، مستلزماً للشروع في السفر، مقروناً بالتوكل على الله، قال تعالى:﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾آل عمران
والعزم : هو القصد الجازم المتصل بالفعل ، ولذلك قيل إنه أول الشروع في الحركة لطلب المقصود ، والتحقيق : أن المشروع في الحركة ناشئ عن العزم ، لا أنه هو نفسه ، ولكن لما اتصل به من غير فصلٍ ظنّ أنه هو . (مدارج السالكين )
وقال الإمام ابن رجب : (( والعزيمة على الرشد مبدأ الخير ، فإن الإنسان قد يعلم الرشد وليس عليه عزم ، فإذا عزم على فعله أفلح .
والعزيمة : هي القصد الجازم المتصل بالفعل .
وقيل : استجماع قوى الإرادة على الفعل . ولا قدرة للعبد على ذلك إلا بالله ، فلهذا كان من أهم الأمور : سؤال الله العزيمة على الرشد .
فالعبد يحتاج إلى الاستعانة بالله ، والتوكل عليه في تحصيل العزم ، وفي العمل بمقتضى العزم بعد حصوله، قال تعالى:﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾(آل عمران: من الآية159)
(2)  التطلع إلى الكمال والترفع عن النقص:
ففي الحديث الشريف " إن الله -تعالى- يحب معالي الأمور وأشرفها، ويكره سفسافها "قال الألباني في صحيح الجامع (1886): "صحيح، إلاّ أن في سنده خالد بن إياس، قال فيه الحافظ في التقريب: متروك الحديث".. أي يبغض الرديء الحقير من كل شيء ومن كل عمل.
وقد دفع القرآن إلى مراتب الكمال دفعا ؛ إذ ميز بين الطيب والخبيث ، وبين الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، وبين المجاهدين والقاعدين ، وبين السابقين والمتخلفين، وفضل المرتقين في مراتب الكمال على الناقصين .
ونصوص القرآن في ذلك كثيرة : منها قوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:9)
وكما في خطابه تعالى للمؤمنين: ( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:95)
وهذا ما حرص النبي صلى الله عليه وسلم على توجيه الأمة إليه، وأن تنشد الكمال وتترفع عن النقص: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز..." الحديث
وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
فينبغي لمن أراد الارتقاء بهمته أن يتطلع إلى الكمالات، وأن يترفع عن الدنايا:
وإنا لقومٌ لا توسط عندنا        لنا الصدر دون العالمين أو القبر
(3) الزهد في الدنيا :
ونعني به  استصغار الدنيا، والحذر من طغيانها وسيطرتها على القلب.
4 اشتغال العبد بما يعنيه وانصرافه عن غيره :
قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ".
5 الحرص على الوقت:
فالوقت هو الحياة ، وإنما سعد من سعد ، وارتقى من ارتقى في مراتب المجد من استثمر الأوقات، وكان حريصا على الدقائق واللحظات:
دقات قلب المرء قائلة له      إن الحيـاة دقـائـق وثـوان
فارفع لنفسك قبل موتك     ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان
فأصحاب الهمم العالية يحرصون على كل ثانية حرص الجموح المنوع، وحتى المصائب لا تلهيهم عن استغلال الوقت والحرص عليه:
حيـاتك أنفاس تعد فكلما     مضى نفس منها انتقصت به جزءا
فتصبح في نقص وتمسي بمثله    أما لك مـعقـول تحس به رُزءا
يميتك ما يحييك في كل ساعة    ويحدوك حـاد ما يريد به الهُزءا
يا صاحب الهمة العالية :
لتعلم أن  ابن الأثير  ألف كتبه الرائعة كجامع الأصول والنهاية في غريب الحديث وهو مقعد.
وألفّ السرخسي كتابه الشهير " المبسوط" خمسة عشر مجلدا وهو محبوس.
وكتب بن القيم زاد المعاد وهو مسافر.
وشرح القرطبي صحيح مسلم وهو  على ظهر سفينة.فانتبه وتدبر.
(6) مجاهدة النفس:
أخي : إن هناك من يكدح في سبيل نزوة وشهوة ، أما عالي الهمة فإنه يكدح في سبيل عقيدة ودعوة ، وليس للعابد مستراح إلا تحت شجرة طوبى في جنة عرضها السموات والأرض .
إنما يهون الطريق على من علم أين المقصد:
قف بالديار فهذه آثارهم     تبكي الأحبة حسرة وتشوقا
فجاهد نفسك في الله تصل إلى الشرف كل الشرف ، فالأمر كما قال يحيى بن معاذ رحمه الله : أبناء الدنيا تخدمهم الإماء والعبيد، وأبناء الآخرة تخدمهم الأحرار والأبرار.
أخي الحبيب هذا أحد الصالحين يهتف بك :
أقوى الفتوة غلبتك نفسك .
أخي: لقد كان أهل الحزم يعوّدون أنفسهم مخالفة هواها وإن كان مباحا، ليقع التمرين للنفس على ترك الهوى مطلقا.
أخي من جاهد نفسه وجدّ وجد، وليس من سهر كمن رقد ، والفضائل تحتاج إلى وثبة أسد
إلا تمت تحت السيوف مُكّـرما      تمـتْ وتقـاس الذل غيـر مُـكّـرم
فثِبْ واثقـا بالله وثبة مـاجد       يرى الموت في الهيجا جَنَى النحل في الفم
(7) قصر الأملوالإكثار من ذكر الموت:
نعم فمن قصر في الدنيا أمله وأكثر ذكر الموت علت همته وحسن عمله.
كانت ماجدة القرشية تقول : طوى أملى طلوع الشمس وغروبها، فما من حركة تُسمع ولا من قدم توضع إلا ظننت أن الموت فيها.
وتقول عن الغافلين : بسطوا آمالهم فأضاعوا أعمالهم، ولو نصبوا الآجال وطووا الآمال لخفّت عليهم الأعمال.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ، وعُدّ نفسك في أصحاب القبور".
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إذا ذهب ثلث الليل فيقول:
"يا أيها الناس : اذكروا الله ، اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه  ، جاء الموت بما فيه". ( رواه أحمد والترمذي وغيرهما وحسنه الألباني).
ما زال يلهج بالرحيل وذكره     حتى أناخ ببابه الجمال
فأصـابه مستيقظا متشـمرا      ذا أهبة لم تلهه الآمال
كان مطرف بن عبد الله يقول: أفسد الموت على أهل النعيم نعيمهم، فاطلبوا نعيما لا موت فيه.
فأكيس الناس : أكثرهم ذكرا للموت ، وأحسنهم استعدادا له .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Get The Fixed Menu Gadget
Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More

 
back to top